نزل الوحي على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في يوم الاثنين، في غار حراء. وكانت هذه اللحظة الفارقة في تاريخ الإسلام تجسيدًا لمقام النبوة وبداية رسالته الإلهية. كان سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- قد دخل في تأمل عميق للكون وأسراره، وذلك في التاريخ الهجري الحادي والعشرين من شهر رمضان قبل الهجرة. أي قبل موعد الهجرة باثنتي عشرة سنة. وكان عمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حينها أربعين عامًا.
كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يفكر بأسرار الكون وخالقه بشكل دائم، وكان يقضي وقته في غار حراء، يتأمل في إبداع الله وعظمته. كان يتأمل كيف أن الله رفع السماء وثبت الجبال. وهذه الرحلة الروحية استمرت حتى نزل عليه الوحي.
وعن كيفية نزول الوحي على سيدنا محمد يمكن القول أن لها مكانة خاصة في تاريخ الإسلام. حينما نزل الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأول مرة، قال له الملاك: “اقرأ”، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يجيب بأنه لا يقرأ. وكرّر الملاك طلبه عدة مرات، وكان النبي -عليه السلام- يرد بالإجابة نفسها. ثم، بعد ذلك، قرأ الله على النبي محمد آيات من سورة العلق. وبهذا القراءة تم تأسيس بداية الوحي وبداية الرسالة الإسلامية.
هذه القصة الكريمة والمباركة قد توثقت في الحديث المروي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-. بحيث قالت: “فجاءه الملاك فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ، ثم أخذني فغطّني حتى بلغني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. ثم أخذني فغطّني الثانية، حتى بلغني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. ثم أخذني فغطّني الثالثة، حتى بلغني الجهد، ثم أرسلني.
فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم}” [العلق: 1- 3]. فرجع بهذه الآيات الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- يرتعش قلبه.
بعد هذا النزول الأول، بادر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالذهاب إلى زوجته خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- ليشاركها هذا الحدث العظيم ويطمئن قلبه. وهكذا بدأت بداية الرسالة الإسلامية بنور الوحي وتألقه، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ الإسلام والبشرية.